الصهيونية هي الحل الذي يشكل امتدادا للغيتو، لكن مع استبداله بدولة..
ففي حين كان الغيتو هو الهروب من المواجهة واللجوء إلى الصراع الخفي التآمري مع غير اليهود، من خلال الربا، والسيطرة على الأموال، والهروب إلى حالة اللاانتماء للمجتمع، جاءت الصهيونية لتكون النقلة اليهودية العملية إلى العلن، فتجعل منهم أمة مثل الأمم، فيها انتماء للمجتمع اليهودي، بدل المجتمعات الأوروبية، وقادرة على خوض كل أنواع المواجهة مع الآخرين، سرا وعلنا، في كل المجالات الاقتصادية والعسكرية والثقافية والاجتماعية وغيرها. وقادرة على اللعب بالاقتصاد العالمي وابتزازه، كما تفعل مع ألمانيا التي تأخذ منها الأموال الطائلة بحجة ذبح هتلر لليهود، وبالإضافة إلى التآمر الخفي، فهي قادرة على التآمر المحمي بالقوة،
وقد ترجم الانتقال إلى المواجهة عمليا بالخطوات التالية:
- تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية.
- العمل على إنشاء إسرائيل، كدولة لليهود بدل الغيتو،
- العمل على تدجين الصهيونية المسيحية الأمريكية.. لتكون السند القوي الفعلي لهذه الدولة.
وتمكن اليهود فعلا من اختراق وعي ملايين المسيحيين في أمريكا، لتتشكل طوائف المتجددين، والصهاينة المسيحيين، والذين يدعمون اليهود من أجل التواجد في إسرائيل ليتحولوا فيها إلى مسيحيين تمهيدا لعودة المسيح الموجودة في العقيدة المسيحية.. والتي توازيها فكرة مجيء المسيح المخلص في العقيدة اليهودية. (المجيء لأول مرة المتنبأ به في التوراة).
وفي مراحل متأخرة بعد الحرب العالمية الثانية، نشأت فئات أوروبية تشعر بعقدة الذنب تجاه اليهود بعد أن نجح هؤلاء في ترويج الدعاية حول المحرقة المزعومة (الهولوكوست) التي اتهموا الألمان فيها بقتل عدة ملايين منهم.
وصارت فكرة تجميع اليهود وتوطينهم في دولة خاصة بهم، تشغل اليهود والمجتمعات الأوروبية فترة طويلة، وكانت الأماكن المقترحة لتلك العملية كثيرة جدا..
مواصفات الدولة المطلوبة:
من مواصفات الدولة اليهودية المطلوب إنشاؤها، أنها يجب أن تكون:
1. يهودية خالصة.. لضمان خلوها من الأخطار الداخلية، وهو ما سيظهر في القوانين الإسرائيلية الجديدة التي تجهز للصدور هذه الأيام (2010)، والتي تنص على حلف يمين الولاء للدولة “كدولة يهودية ديموقراطية”.. وليس “كدولة فقط“
2. قوية عسكريا.. وأمنيا..
3. قادرة على العمل الخفي لاختراق القيادات في المجتمعات الأخرى
4. قادرة على خوض الصراع الثقافي والإعلامي مع الآخرين، للتمكن من تشويه التاريخ والحقائق ووعي المجتمعات وإرباكها.
5. كذلك يجب أن تكون مضمونة الديمومة.. بالسيطرة على الأرض والماء
6. تملك الأمن الاقتصادي الذي لا يعني فقط القدرة على الصناعة والزراعة، بل يعني ضمان السوق.. والوصول إليه.. وهو ما تسعى له إسرائيل بالقتال من أجل فرض التطبيع بأشكاله على عالمنا العربي..
7. ذات مساحة تكفي لتنفيذ استراتيجياتها وبرامجها المستقبلية:
الديموغرافية (تجميع أكبر عدد من اليهود في دولة واحدة)
التمدد فوق مصادر المياه اللازمة (الجولان والليطاني والأغوار والديسي).
ضمان السيطرة على المصادر اللازمة للحياة مثل الغاز والنفط.. وهو ما يتحقق بالأمور التالية:
- السيطرة المباشرة وهو ما تحاول القيام به اليوم للسيطرة على غاز غزة، وعلى النفط والغاز المكتشفين أمام ساحل لبنان
- السيطرة على الأنظمة والحكومات ومراكز صنع القرار وضمان وجود الحلفاء في الدول العربية وغيرها، التي تنتج مثل هذه المواد، أي الغاز والنفط
مضمونة الأمن الغذائي، بالزراعة، وهو ما يعني السيطرة على أراضي الجولان والأغوار، ولاحقا سيناء باستصلاح أراضيها.
مضمونة الأمن العسكري وهو ما يعني الحاجة إلى مناطق عازلة منزوعة السلاح عن الجيوش المحيطة، مثل سيناء والجولان وشرق الأردن، وهو ما يقوله نتنياهو بصراحة في كتابه “مكان تحت الشمس“
1. كما أنها يجب أن تكون ديموقراطية في كل ما يتعلق باليهود.. فقط..
2. ومفتوحة لكل يهود العالم
وهذه الصفات كلها ضرورية ما دامت هذه الدولة بديلا للغيتو.. وانتقالا للمواجهة..
وعلى هذه الصفات وانطلاقا منها، يجب أن يتم تقييم أي من الحلول الوهمية المطروحة في المفاوضات والمشاريع الدولية المختلفة..
مصطلح صهيونية
المصطلح له علاقة بالفكرة، لكنه مجرد تسمية، والفكرة تبقى قائمة حتى لو تغير المصطلح..
المفكر والناشط اليهودي ناثان بيرنبام Nathan Birnbaum هو أول من أوجد واستعمل كلمة صهيونية عام 1890م، وهو أسترالي، مولود في فيننا (النمسا) من عائلة يهودية من أوروبا الشرقية، وانتخب أمينا عاما للمنظمة الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، لكنه عاد وترك المنظمة عام 1899
والصهيونية كمفهوم: هي مسألة حل لمشكلة اليهود في وطن، كما أوضحنا أعلاه، مع إبقائهم يهودا بكل صفات اليهودية التي كانوا يتصفون بها في الغيتو، عدا صفة الانعزال الضعيف، التي أرادوا استبدالها بالانخراط الهجومي، والانعزال المتميز المحمي بالقوة..
وبالنسبة لهم فإن أفضل أرض تصلح لتكون لهم وطنا: هي صهيون.. فلسطين. لعلاقة صهيون بالعقيدة.. مع أن العقيدة ليست هي السبب الوحيد لإنشاء الصهيونية أو إنتاج إسرائيل.. بل سنرى أن العقيدة في كثير من الأحيان، غير موجودة بتاتا في فكر كبار قادتها ومفكريها من الذين ساهموا مساهمة رئيسية في إنشاء الكيان الصهيوني.. مثل هرتزل وبن غوريون..
أي أن الصهيونية هي إعادة إنتاج لليهودية ليس بوصفها عقيدة دينية، بل بوصفها تركيبة اجتماعية وفكرية وانعزالية وأنانية، في مشروع وطن قومي لهؤلاء اليهود.. مع كل ما يلزم لتحقيق الغاية، من قوة وعدوان وتمييز وتشتيت وقتل وإبادة للآخرين.. وهو ما يمارسون اليوم.. في بلادنا التي اختاروها وأخذوا بعضها حتى اليوم، ويخططون لأخذ أجزاء أخرى في الوقت الذي يناسبهم..
عبر (بن غوريون) غير المؤمن، عن ماهية الصهيونية فقال: “إن الصهيونية تستمد وجودها وحيويتها وقوتها من مصدر عميق عاطفي دائم مستقل عن الزمان والمكان.. وقديم قدم الشعب اليهودي.. هذا المصدر هو الوعد الإلهي والأمل بالعودة “.. وهو لا يؤمن بالله، مصدر الوعد، أي يؤمن بالوعد دون أن يؤمن بالواعد.. إنها من المسائل الشائكة في فهم اليهودية..
ومثلما توفَّر الوطن القومي لجميع الأمم الأخرى، تحاول المخيّلة اليهودية، بالصهيونية، أن تنتج في العقل اليهودي ومنه، فكرة تاريخية عن وطن خاص، فيحققون بذلك:
برهان ما يقولون عن أنفسهم حول أنهم أمة..
الحصول على وطن خاص بهم.. غير خاضع مثل الغيتو، لتأثير المجتمعات الأخرى
أهم ما يميز الصهيونية عن الحركات القومية الأخرى، هو أنها تسعى لحل المسألة اليهودية وإيجاد وطن لليهود خارج أوطانهم.. بخلاف الحركات الأخرى التي كانت تسعى للتحرر على أرضها وخلق قومية جمعية تعمل على تأكيد مفهوم أمة لها تاريخها ولغتها وفكرها..
الحركة الصهيونية:
الحركة الصهيونية اعتمدت في مسيرتها أو تكونت على الرابط الديني والقانون الديني اليهودي ووحدة الخبرة اليهودية المشتركة في جميع أنحاء العالم.. وهي خبرة تاريخية غنية بمعنى التمايز والتفرد عن عالم الأغيار.. ويقول اليهود عنها: هذه الخبرة ما هي إلا خبرة أناس عاشوا في عالم الغير دون أن يندمجوا فيه، تآمروا عليه وميزوا أنفسهم فيه وابتزوه حيثما استطاعوا، فتنافر معهم، ورد على تعاليهم ومؤامراتهم بالتصادم الدموي معهم،
ولو قبل اليهود أن يعتبروا أنفسهم كطوائف دينية مثل الطوائف الأخرى.. لاندمجوا في مجتمعاتهم!!
لكنهم أصروا دائما أن يكونوا هؤلاء التوراتيين المختارين فوق الآخرين، والذين يحق لهم أن يقتلوا الإنسان والبهيم، وأن يساوا بين الإنسان غير اليهودي والبهيم، وأن يقلعوا الشجر.. بأوامر إلهية مصنوعة في مخيلتهم..
وفكرة تجميع اليهود في مكان واحد وإنشاء دولة لهم، أو عملية دعم العاملين على إنجاز هذه الفكرة، تسمى صهيونية، عندما تدعو إلى تجميع اليهود في بلادنا، قرب جبل صهيون الملاصق لأسوار القدس
ويعتقد اليهود المؤمنون، أن ألله يسكن في جبل صهيون، كما كتب حاخاماتهم في التوراة، ولهذا يعتبرونه المكان الأفضل، لإقامة كيان لهم هناك، حيث يعملون على أن يتحولوا إلى أمة، ويحولوا بلادنا ومن يستعبدون من شعبنا فيها، إلى وطن قومي ومجال حيوي وخدم لهذه الأمة المصطنعة، في دولة مصطنعة مضمونة الديمومة والقوة..
الأسس النظرية والعقائدية للصهيونية والدولة المراد إنشاؤها (إسرائيل حاليا):
- تاريخ اليهود والثقافة اليهودية والإحساس بالكينونة اليهودية المميزة
- الدين اليهودي..
- اعتبار الدين مع التاريخ اليهودي كافيين لتشكيل أمة يهودية، بغض النظر عن أصول ومنابت مكونات الأمة..
- فكرة شعب الله المختار، وهي الفكرة التي تجعلهم يؤمنون بتميّزهم عن كل شعوب الأرض، التي يسمونها الغوييم، والتي يعتقدون أن الله خلقها لخدمتهم.. وسوف نشرح ذلك بتوسع عند الحديث عن التلمود في محاضرة خاصة.
- فكرة أن الله يسكن في صهيون: (أخبار 16: 9) “رنموا للرب الساكن في صهيون”..
- فكرة أن الشريعة اليهودية تخرج من صهيون « فيعلمنا من طرقه ونسلك فى سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب » … ” ميخا 4 : 2 “
- فكرة أن اليهود الحاليين هم الخلفة الطبيعية لليهود السابقين، حتى لو اختلطت أعراقهم بين بولندي وحبشي ونمساوي وصيني وروسي..
- فكرة أرض الميعاد التي تجعلهم يعتقدون أن الأرض التي اغتصبوا بعضها ويخططون لاغتصاب بعضها الآخر (الذي لم يغتصبوه بعد)، ملْكٌ لهم بفضل وعد إلهي بإعطائها لهم.
- لا بد من التوضيح هنا، أن الأرض المقصودة بالوطن القومي التاريخي ليست فلسطين بمفاهيم سايكس بيكو وما يسمى بحدود 1967، بل هي الأرض التي يُعرِّفها اليهود في التوراة، على أنها تشكل الوطن التاريخي لليهود.. التي تمتد من النيل إلى الفرات، كما يضم التوراة إليها أرض باشان، الواقعة بين السويداء في شمال شرق الجولان وحتى جلعاد من جبال البلقاء.. وتشمل كامل هضبة الجولان.. وهي ترد في أكثر من 62 آية في التوراة على أساس أن الله أعطاها لليهود وليس “وعدهم بها فقط”..